فصل: فصل في معاني السورة كاملة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الصابوني:

سورة الجن مكية.
وآياتها ثمان وعشرون آية.
بين يدي السورة:
* سورة الجن مكية وهي تعالج أصول العقيدة الإسلامية (الوحدانية، الرسالة، البعث والجزاء) ومحور السورة يدور حول الجن، وما يتعلق بهم من أمور خاصة، بدءا من استماعهم للقرآن، إلى دخولهم في الإيمان، وقد تناولت السورة بعض الأنباء العجيبة الخاصة بهم، كاستراقهم للسمع، ورميهم بالشهب المحرقة، واطلاعهم على بعض الأسرار الغيبية، إلى غير ذلك من الأخبار المثيرة.
* ابتدأت السورة الكريمة بالإخبار عن استماع فريق من الجن للقرآن، وتأثرهم بما فيه من روعة البيان، حتى آمنوا به فور استماعه، ودعوا قومهم إلى الإيمان {قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا..} الآيات.
* ثم انتقلت للحديث عن تمجيدهم وتنزيههم لله جل وعلا، وإفرادهم له بالعبادة، وتسفيههم لمن جعل لله ولدا {وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا..} الآيات.
* ثم تحدثت السورة عن استراق الجن للسمع، وإحاطة السماء بالحرس من الملائكة، وإرسال الشهب على الجن، بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاتم النبيين، وتعجبهم من هذا الحدث الغريب {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وإنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا..} الآيات.
* ثم تحدثت السورة عن انقسام الجن إلى فريقين: مؤمنين، وكافرين ومآل كل من الفريقين {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا}.
* ثم انتقلت للحديث عن دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن التفاف الجن حوله حين سمعوه يتلو القرآن {وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قل إنما أدعو ربى ولا أشرك به أحدا}.
* ثم أمرت الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يعلن استسلامه وخضوعه لله، ويفرده جل وعلا بإخلاص العمل، وأن يتبرأ من الحول والطول {قل إنما أدعو ربى ولا أشرك به أحدا قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا}.
وختمت السورة ببيان اختصاص الله جل وعلا بمعرفة الغيب، وإحاطته بعلم جميع ما في الكائنات {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا..} الآيات إلى آخر السورة الكريمة. اهـ.

.قال أبو عمرو الداني:

سورة الجن 72:
مكية.
وقد ذكر نظيرتها في غير البصري ولا نظير لها فيه.
وكلمها مائتان وخمس وثمانون كلمة ككلم المزمل.
وحروفها سبعمائة وتسعة وخمسون حرفا.
وهي عشرون وثماني آيات في جميع العدد.
اختلافها آيتان:
{لن يجيرني من الله أحد} عدها المكي ولم يعدها الباقون.
{من دونه ملتحدا} لم يعدها المكي وعدها الباقون.
وليس فيها مما يشبه الفواصل شيء.

.ورءوس الآي:

{عجبا}.
1- {أحدا}.
2- {ولدا}.
3- {شططا}.
4- {كذبا}.
5- {رهقا}.
6- {أحدا}.
7- {وشهبا}.
8- {رصدا}.
9- {رشدا}.
10- {قددا}.
11- {هربا}.
12- {رهقا}.
13- {رشدا}.
14- {حطبا}.
15- {غدقا}.
16- {صعدا}.
17- {أحدا}.
18- {لبدا}.
19- {أحدا}.
20- {رشدا}.
21- {ملتحدا}.
22- {أبدا}.
23- {عددا}.
24- {أمدا}.
25- {أحدا}.
26- {رصدا}.
27- {عددا}. اهـ.

.فصل في معاني السورة كاملة:

.قال المراغي:

سورة الجن:
النفر: ما بين الثلاثة والعشرة، و{الجن}: واحدهم جنىّ كروم ورومى، {عجبا}: أي عجيبا بديعا مباينا لكلام الناس في حسن النظم ودقة المعنى، والجد: العظمة يقال جدّ فلان في عينى: أي عظم، قال أنس: «كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ فينا»: أي جلّ قدره وعظم، والسفيه: الجاهل، {شططا}: أي غلوّا في الكذب بنسبة الصاحبة والولد إليه، {يعوذون}: أي يلتجئون، وكان الرجل إذا أمسى يقفر قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، {رهقا}: أي تكبّرا، وأصل الرهق: الإثم وغشيان المحارم {لمسنا السماء}: أي طلبنا خبرها كما جرت بذلك عادتنا، والحرس والحرس، واحدهم حارس، وهو الرقيب، {شديدا}: أي قويا، والسمع: الاستماع، والشهب: واحدها شهاب، وهو الشعلة المقتبسة من نار الكوكب، {رصدا}: أي أرصد له ليرمى به {رشدا}: أي خيرا وصلاحا، {قددا}: أي جماعات متفرقة وفرقا شتى، ويقال صار القوم قددا: إذا تفرقت أحوالهم، واحدها قدّة وهى القطعة من الشيء، {هربا}: أي هاربين إلى السماء، والمراد بالهدى القرآن، والبخس: النقص، والرهق الظلم والمكروه الذي يغشى المظلوم، {القاسطون}: أي الجائرون العادلون عن الحق، {تحرّوا رشدا}: أي قصدوا طريق الحق، {حطبا}: أي وقودا للنار، و{الطريقة}: هي طريق الإسلام، {غدقا}: أي كثيرا، {يسلكه}: أي يدخله، {صعدا}: أي شاقا يعلو المعذب ويغلبه، يقال فلان في صعد من أمره: أي في مشقة، ومنه قول عمر: ما تصعّدنى شيء كما تصعّدنى في خطبة النكاح، أي ما شقّ علىّ، وكأنه إنما قال ذلك لأنه كان من عادتهم أن يذكروا جميع ما يكون في الخاطب من أوصاف موروثة ومكتسبة، فكان يشق عليه أن يقول الصدق في وجه الخاطب وعشيرته {المساجد}: واحدها مسجد، موضع السجود للصلاة والعبادة، ويدخل فيها الكنائس والبيع ومساجد المسلمين، {فلا تدعوا}: أي فلا تعبدوا، {يدعوه} أي يعبده، {لبدا} (بكسر اللام وفتح الباء): أي جماعات، واحدها لبدة، والمراد متراكمين متزاحمين، {ولا رشدا}: أي ولا نفعا، {ملتحدا}: أي ملجأ يركن إليه، قال:
يا لهف نفسى ونفسى غير مجدية ** عنّى وما من قضاء اللّه ملتحد

{بلاغا من اللّه}: أي تبليغا لرسالاته. اهـ.. باختصار.

.قال الفراء:

سورة الجن:
{قُلْ أوحي إليّ أنّهُ اسْتمع نفرٌ مِّن الْجِنِّ فقالواْ إِنّا سمِعْنا قرآنا عجبا}
قوله: عز وجل: {قُلْ أوحي إليّ...}.
القراء مجتمعون على {أُوحِى} وقرأها جُويّة الأسدى: {قُلْ أُحِى إِلىّ} من وحيتُ، فهمز الواو؛ لأنها انضمت كما قال: {وإِذا الرُّسُلُ أُقِّتتْ}.
وقوله: {اسْتمع نفرٌ مِّن الْجِنِّ...}.
ذكر: أن الشياطين لما رُجمت وحُرِست منها السماء قال إبليس: هذا نبىٌّ قد حدث، فبث جنوده في الآفاق، وبعث تسعة منهم من اليمن إلى مكة، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ببطن نخلة قائما يصلى ويتلو القرآن، فأعجبهم ورقّوا له، وأسلموا، فكان من قولهم ما قد قصّه الله في هذه السورة.
وقد اجتمع القراء على كسر{إِنا} في قوله: {فقالواْ إِنّا سمِعْنا قرآنا عجبا}، واختلفوا فيما بعد ذلك، فقرءوا: {وإنّا}، {وأنّا} إلى آخر السورة، وكسروا بعضا، وفتحوا بعضا.
حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال: حدثنا الفراءُ قال: فحدثني الحسن بن عياش أخو أبى بكر بن عياش، وقيس عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بن قيس أنه قرأ ما في الجنِّ، والنجم: {وأنا}، بالفتح. قال الفراءُ: وكان يحيى وإبراهيم وأصحاب عبد الله كذلك يقرءون. وفتح نافع المدنى، وكسر الحسن ومجاهد، وأكثر أهل المدينة إلا أنهم نصبوا: {وأنّ الْمساجِد للهِ}.
حدثنا محمد قال: حدثنا الفراء قال: وحدثني حِبّان عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس قال: أوحي إليّ النبي صلى الله عليه وسلم بعد اقتصاص أمر الجن: {وأنّ الْمساجِد لِلهِ فلا تدْعُواْ}.
وكان عاصم يكسر ما كان من قول الجن، ويفتح ما كان من الوحى. فأما الذين فتحوا كلها فإنهم ردّوا (أن) في كل سورة على قوله: {فآمنا به}، وآمنا بكل ذلك، ففتحت (أن) لوقوع الإيمان عليها، وأنت مع ذلك تجد الإيمان يحسن في بعض ما فتح، ويقبح في بعض، ولا يمنعك ذلك من إمضائهن على الفتح، فإن الذي يقبح من ظهور الإيمان قد يحسن فيه فعلٌ مضارعٌ للإيمان يوجب فتح أنّ كما قالت العرب.
إذا ما الغانيات برزْن يوما ** وزجّجن الحواجب والعُيونا

فنصب العيون باتباعها الحواجب، وهى لا تزجج إنما تكحّل، فأضمر لها الكحل، وكذلك يضمر في الموضع الذي لا يحسن فيه آمنّا، ويحسن: صدقنا، وألهمنا، وشهدنا، ويقوّى النصب قوله: {وأنْ لّوِ اسْتقامُوا على الطّرِيقةِ}.
فينبغى لمن كسر أن يحذف (أنْ) من (لو)؛ لأنّ (أنْ) إذا خففت لم تكن في حكايةٍ، ألا ترى أنك تقول: أقول لو فعلت لفعلتُ، ولا تدخِل (أنْ).
وأمّا الذين كسروا كلها فهم في ذلك يقولون: {وأنْ لوِ اسْتقامُوا} فكأنهم أضمروا يمينا مع لو، وقطعوها عن النسق على أول الكلام، فقالوا: والله أن لو استقاموا. والعرب تدخل أن في هذا الموضع مع اليمين وتحذفها، قال الشاعر:
فأقسمُ لو شيء أتانا رسُوله ** سواك، ولكن لم نجدْ لك مدفعا

وأنشدنى آخر:
أما واللهِ أنْ لو كُنت حُرّا ** وما بِالحرِّ أنت ولا العتيقِ

ومن كسر كلها ونصب: {وأن المساجد لله} خصّه بالوحى، وجعل: وأنْ لو مضمرة فيها اليمين على ما وصفت لك.
{وأنّهُ تعالى جدُّ ربِّنا ما اتّخذ صاحِبة ولا ولدا}
وقوله: {وأنّهُ تعالى جدُّ ربِّنا...}.
حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال: حدثنا الفراء قال: حدثني أبو إسرائيل عن الحكم عن مجاهد في قوله: {وأنّهُ تعالى جدُّ ربِّنا} قال: جلالْ ربنا.
{وأنّا ظننّآ أن لّن تقول الإِنسُ والْجِنُّ على اللّهِ كذِبا}
وقوله جل وعز: {وأنّا ظننّآ أن لّن تقول الإِنسُ والْجِنُّ على اللّهِ كذِبا...}.
الظن ها هنا: شك.
{وأنّا كُنّا نقْعُدُ مِنْها مقاعِد لِلسّمْعِ فمن يسْتمِعِ الآن يجِدْ لهُ شِهابا رّصدا}
وقوله عز وجل: {فمن يسْتمِعِ الآن...} إذ بعث محمد صلى الله عليه يجد له شهابا رصدا قد أرصد به له ليرجمه.
{وأنّا لا ندْرِي أشرٌّ أُرِيد بِمن فِي الأرْضِ أمْ أراد بِهِمْ ربُّهُمْ رشدا}
وقوله عز وجل: {وأنّا لا ندْرِي أشرٌّ أُرِيد بِمن فِي الأرْضِ...}.
هذا من قول كفرةِ الجن قالوا: ما ندرى ألخير يراد بهم فُعِل هذا أم لشر؟ يعنى: رجم الشياطين بالكواكب.
{وأنّا مِنّا الصّالِحُون ومِنّا دُون ذلِك كُنّا طرآئِق قِددا}
وقوله عز وجل: {كُنّا طرآئِق قِددا...}.
كنا فرقا مختلفة أهواؤنا، والطريقة طريقة الرجُل، ويقال أيضا للقوم هم طريقة قومهم إذا كانوا رؤساءهم، والواحد أيضا: طريقة قومه، وكذلك يقال للواحد: هذا نظورةُ قومه للذين ينظرون إليه منهم، وبعض العرب يقول: نظيرة قومه، ويجمعان جيمعا: نظائر.
{وأنّا ظننّآ أن لّن نُّعْجِز اللّه فِي الأرْضِ ولن نُّعْجِزهُ هربا}
وقوله تبارك وتعالى: {وأنّا ظننّآ أن لّن نُّعْجِز اللّه فِي الأرْضِ...}.
على اليقين علمنا.
وقد قرأ بعض القراء: {أن لن تقول الإنسُ والجنُّ} ولست أسميه.
{وأنّا لمّا سمِعْنا الْهُدى آمنّا بِهِ فمن يُؤْمِن بِربِّهِ فلا يخافُ بخْسا ولا رهقا}
وقوله عز وجل: {فلا يخافُ بخْسا...} لا يُنْقص من ثواب عمله {ولا رهقا...}.
ولا ظلما.
{وأنّا مِنّا الْمُسْلِمُون ومِنّا الْقاسِطُون فمنْ أسْلم فأُوْلائِك تحرّوْاْ رشدا}
وقوله عز وجل: {ومِنّا الْقاسِطُون...} وهم: الجائرون الكفار، والمقسطون: العادلون المسلمون.
وقوله عز وجل: {فمنْ أسْلم فأُوْلائِك تحرّوْاْ رشدا...}.
يقول: أمّوا الهدى واتبعوه.
{وألّوِ اسْتقامُواْ على الطّرِيقةِ لأسْقيْناهُم مّاء غدقا}
وقوله عز وجل: {وألّوِ اسْتقامُواْ على الطّرِيقةِ...}: على طريقة الكفر {لأسْقيْناهُم مّاء غدقا} يكون زيادة في أموالهم ومواشيهم، ومثلها قوله: {ولوْلا أنْ يكُون النّاسُ أُمّة واحِدة لّجعلْنا لِمنْ يكْفُرُ بِالرّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفا مِّن فِضّةٍ} يقول: تفعل ذلك بهم ليكون فتنة عليهم في الدنيا، وزيادة في عذاب الآخرة.
{لِّنفْتِنهُمْ فِيهِ ومن يُعْرِضْ عن ذِكْرِ ربِّهِ يسْلُكْهُ عذابا صعدا}
وقوله عز وجل: {ومن يُعْرِضْ عن ذِكْرِ ربِّهِ يسْلُكْهُ عذابا صعدا...}.
نزلت في وليد بن المغيرة المخزومى، وذكروا أن الصّعد: صخرة ملساء في جهنم يكلّف صعودها، فإذا انتهى إلى أعلاها حدر إلى جهنم، فكان ذلك دأبه، ومثلها في سورة المدثر: {سأُرْهِقُهُ صعُودا}.
{وأنّ الْمساجِد لِلّهِ فلا تدْعُواْ مع اللّهِ أحدا}
وقوله عز وجل: {وأنّ الْمساجِد لِلّهِ فلا تدْعُواْ...}.
فلا تشركوا فيها صنما ولا شيئا مما يعبد، ويقال: هذه المساجد، ويقال: وأن المساجد لله، يريد: مساجد الرجلِ: ما يسحد عليه من: جبهته، ويديه، وركبتيه، وصدور قدميه.
{وأنّهُ لمّا قام عبْدُ اللّهِ يدْعُوهُ كادُواْ يكُونُون عليْهِ لِبدا}
وقوله عز وجل: {وأنّهُ لمّا قام عبْدُ اللّهِ يدْعُوهُ...}.
يريد: النبي صلى الله عليه ليلة أتاه الجن ببطن نخلة. {كادُواْ يكُونُون عليْهِ لِبدا...} كادوا يركبون النبي صلى الله عليه رغبة في القرآن، وشهوة له.
وقرأ بعضهم: {لُبُدا} والمعنى فيهما- والله أعلم- واحد، يقال: لُبدةٌ، ولِبدة.
ومن قرأ: {لُبّدا} فإنه أراد أن يجعلها من صفة الرجال، كقولك: رُكّعا، وركوعا، وسجّدا، وسجودا.
{قُلْ إِنّمآ أدْعُو ربِّي ولا أُشْرِكُ بِهِ أحدا قُلْ إِنِّي لا أمْلِكُ لكُمْ ضرّا ولا رشدا}
وقوله عز وجل: {قُلْ إِنّمآ أدْعُو ربِّي...}
قرأ الأعمش وعاصم: {قُلْ إنما أدعُو ربِّى} وقرأ عامة أهل المدينة كذلك، وبعضهم: (قال)، وبعضهم: (قل).
حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال: حدثنا الفراء قال: وحدثني محمد بن الفضل عن عطاء بن السائب عن أبى عبدالرحمن السُّلمى، عن على بن أبى طالب- رحمه الله- أنه قرأها: {قال إنما أدْعُو ربِّى}.
اجتمع القراء على: {لا أمْلِكُ لكُمْ ضرّا...} بنصب الضاد، ولم يرفع أحد منهم.
{قُلْ إِنِّي لن يُجِيرنِي مِن اللّهِ أحدٌ ولنْ أجِد مِن دُونِهِ مُلْتحدا}
وقوله عز وجل: {ولنْ أجِد مِن دُونِهِ مُلْتحدا...}
ملجأ ولا سربا ألجأ إليه.
{إِلاّ بلاغا مِّن اللّهِ ورِسالاتِهِ ومن يعْصِ اللّه ورسُولهُ فإِنّ لهُ نار جهنّم خالِدِين فِيهآ أبدا}
وقوله عز وجل: {إِلاّ بلاغا مِّن اللّهِ ورِسالاتِهِ...}.
يكون استثناء من قوله: {لا أملك لكم ضرا ولا رشدا إلا أن أبلغكم ما أرسلت به}.
وفيها وجه آخر: قل إنى لن يجيرنى من الله أحد إنْ لم أبلغ رسالته، فيكون نصب البلاغ من إضمار فعل من الجزاءِ كقولك للرجل: إِلا قياما فقعودا، وإلا عطاء فردا جميلا. أي إلا تفعل إلا عطاء فردا جميلا فتكون لا منفصلة من إِن- وهو وجه حسن، والعرب تقول: إِن لا مال اليوم فلا مال أبدا- يجعلون (لا) على وجه التبرئة، ويرفعون أيضا على ذلك المعنى، ومن نصب بالنون فعلى إِضمار فعل، أنشدنى بعض العرب:
فإن لا مال أعطيه فإنى ** صديق من غُدو أو رواح

{إِلاّ منِ ارْتضى مِن رّسُولٍ فإِنّهُ يسْلُكُ مِن بيْنِ يديْهِ ومِنْ خلْفِهِ رصدا لِّيعْلم أن قدْ أبْلغُواْ رِسالاتِ ربِّهِمْ وأحاط بِما لديْهِمْ وأحْصى كُلّ شيْءٍ عددا}
وقوله عز وجل: {إِلاّ منِ ارْتضى مِن رّسُولٍ...}.
فإنه يطلعه على غيبه.
وقوله عز وجل: {يسْلُكُ مِن بيْنِ يديْهِ ومِنْ خلْفِهِ رصدا...}.
ذكروا أن جبريل- صلى الله عليه- كان إذا نزل بالرسالة إلى النبي صلى الله عليه نزلت معه ملائكة من كل سماء يحفظونه من استماع الجن الوحى ليسترقوه، فيلقوه إلى كهنتهم، فيسبقوا به النبي صلى الله عليه، فذلك الرّصد من بين يديه ومن خلفه، ثم قال جل وعز: {لِّيعْلم...} يعنى محمدا صلى الله عليه: {أن قدْ أبْلغُواْ رِسالاتِ ربِّهِمْ...} يعنى جبريل صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: هو محمد صلى الله عليه، أي: يعلم محمد أنه قد أبلغ رسالة ربه.
وقد قرأ بعضهم: {لِيُعْلم أنْ قدْ أبْلغُوا} يريد: لتعلم الجنّ والإنس أن الرسل قد أبلغت لاهم بما رجوا من استراق السمع. اهـ.